الراية تنشر مداخلة وزير الداخلية أمام البرلمان (نص المداخلة)
المداخلة الكاملة لمعالي وزير الداخلية واللامركزية /د محمد سالم ولد مرزوك أمام النواب اليوم الإثتين.
السيد رئيس الجمعية الوطنية الموقر
السادة النواب المحترمون
سيداتي سادتي
1. مقدمة
أود أولاً أن أشكر النائب الموقرة على هذا السؤال الذي يشكل موضوع نقاش ويشغل المواطنين. وأغتنم فرصة الإجابة على هذا السؤال لإنارة الرأي العام الوطني حول حقيقة واقع الأمن في بلادنا.
تُقاس مستويات انعدام الأمن في جميع بلدان العالم من خلال مؤشرات معروفة. فهي معطيات موضوعية تعد بطريقة علمية قد تخضع لتفسيرات مختلفة علي الرغم من رجاحتها.
وفي بلادنا لم يبدأ العمل على جمع ومعالجة المعطيات المتعلقة بالأمن إلا سنة 2020 في إطار تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وذلك من أجل إرساء أسس القواعد السليمة لسياسة أمنية داخلية حقيقية.
فعندما نتحدث اليوم عن الوضع الأمني، فإننا نعرف جيدا ما الذي نتحدث عنه، وخاصة الأشكال التي نواجهها. فعلى هذا الأساس أنشأنا نظام قاعدة بيانات متعدد المصادر يعطي يوميا صورة دقيقة عن الحالة المتعلقة بالأمن علي عموم التراب الوطني، و يتم بموجبه تصنيف جميع الجنح والجرائم حسب الشكل ووفقًا للمعايير المتبعة دوليًا، وهو ما لم يكن متاحا في السابق.
2. المؤشرات المتعلقة بالأمن
إن هذا السؤال في صيغته يضعنا في “أزمة أمنية حادة”. وهو وصف بعيد كل البعد عن المؤشرات والمعطيات الموجودة على أرض الواقع .
فإذا أخذنا سنة 2017 كقاعدة مرجعية، فإن مجموع الجنح والجرائم المسجلة علي عموم التراب الوطني انخفضت من 11.149 حالة في تلك السنة إلى 3.748 حالة في سنة 2020، بنسبة انخفاض وصلت 66.4% وتراجعت حالات السرقة بجميع أنواعها بين العامين المذكورين من 10.748 حالة إلى 3.662 حالة، بنسبة انخفاض وصلت 66٪. أما حالات الاغتصاب التي وصلت 341 حالة سنة 2017 فقد تراجعت إلى 58 حالة سنة 2020، أي بنسبة انخفاض وصلت 83٪.
وبخصوص جرائم القتل، فقد تراجعت من 60 حالة في سنة 2017 إلى 28 حالة سنة 2020، بنسبة انخفاض وصلت 53.3٪.
هذه المعطيات إذن تُظهر بوضوح أن الوضع الأمنية في بلادنا تحت السيطرة، وفي تحسن مستمر، وهو وضع بعيد كل البعد من التأزم الذي يحاول البعض الترويج له.
ما يتعين توضيحه هو أن انعدام الأمن الموضوعي يختلف عن الشعور بانعدام الأمن الوارد من مجال التصور. وفي هذا الإطار، يلعب الإعلام دورًا حاسمًا ، لا سيما في الواقع الذي أصبحت فيه شبكات التواصل الاجتماعي، ظاهرة اجتماعية. حيث يتم تشويه الأحداث أو تقديمها على أنها خطيرة بشكل استثنائي، أو أكثر عددًا، أو أكثر عنفًا، وما إلى ذلك. ويتم تلفيق أحداث ونشرها بسحر الصوت والصورة دون أن يتسنى للمتلقي التأكد من صدقيتها. فتساهم طفرة النشر ونبرة التهويل لأحداث حقيقية أو ملفقة في زيادة الشعور بانعدام الأمن دون مبررات موضوعية. وتلك هي الحالة السائدة في الغالب للأسف.
3- أسباب انعدام الأمن
3.1. الأسباب الهيكلية لانعدام الأمن
إن انعدام الأمن ظاهرة عالمية تمس جميع البلدان، غنية كانت أو فقيرة، ولها ارتباطً وثيق بالحضر والتطور التكنولوجي الذي يخلق أشكالًا جديدة من الاتصال توسع الفجوة بين الأجيال. على الرغم من أنه يوفر إمكانات أكثر للوقاية، إلا أنه قد يولد أنواعًا جديدة من الانحراف كالجرائم الإلكترونية والمواد الإباحية.
ويتفق جميع الباحثين والفاعلين في مجال الأمن على أن انعدام الأمن في جميع أنحاء العالم سيكون متعدد الأوجه بشكل متزايد وأكثر تعقيدًا.
وحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة احتلت موريتانيا المرتبة 14 في إفريقيا من حيث جرائم القتل سنة 2016 بمعدل 9.9 جريمة قتل لكل 100.000 نسمة.
بينما وصلت المعدلات المسجلة في أمريكا الجنوبية كما في السلفادور (83) وهندوراس (57) وفنزويلا (56). ووصلت في بلدان إفريقية مثل ليسوتو (41) وجنوب إفريقيا (34) أو جمهورية إفريقيا الوسطى (20).
وقد انخفض معدل الجريمة في موريتانيا من 9.9 في سنة 2016 إلى 7 في سنة 2020. وطموحنا لسنة 2024 هو خفض النسبة إلى أقل من 2 لكل 100 ألف نسمة.
إن المخاوف الأمنية لها ما يبررها فانعدام الأمن مرتبط بالتحضر ولا سيما في البلدان التي لم يسبق لها أن عرفت تقاليد حضرية تاريخية كما هو حال بلادنا التي تحتل المرتبة الثانية إفريقيا في مجال التحضر بعد جنوب إفريقيا.
حيث عرفت بلادنا وتيرة سريعة، ففي العام 1960 كانت نسبة التحضر 0٪ وكانت نسبة السكان الرحل تمثل أكثر من 70٪ من مجموع سكان البلاد. وفي سنة 2015 قفز عدد سكان المدن إلى 42٪ من إجمالي السكان وانخفض معدل السكان البدو إلى أقل من 5٪. وارتفع عدد المدن سنة 1960 من 0 إلى 23 مدينة 2015. هذا التحضر السريع للغاية تطبعه أساليب فوضوية (انتشار الأحياء العشوائية التي تستقطب أكثر من 55٪ من السكان) وتضخم مدينة نواكشوط التي أصبحت اليوم تستقطب 28٪ من الموريتانيين أو 62٪ من سكان المدن.
3.2.أسباب انعدام الأمن المرتبطة بالسياق
إن هشاشة بعض الأوساط الاجتماعية التي تصاحبها نسب مرتفعة للتسرب المدرسي رمت بجزء مهم من الشباب في الشارع دون أي آفاق مستقبلية. كما أن اختفاء الهويات في الوسط الحضري وانعدام القيم الاجتماعية وضعف الرقابة الأسرية والاجتماعية، شكلت بمجملها عوامل مواتية لظهور وتطور عصابات المنحرفين الذين تتحد أفعالهم الإجرامية في حلقات مفرغة مع الاقتصاد الإجرامي.
وينضاف إلي ذالك:
ضعف الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، وخاصة التعليم والترفيه ؛
إضعاف مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والحي؛
البطالة والكسل بين الشباب المرتبطين بعدم حصولهم على التدريب والتوظيف؛
استخدام المخدرات والمؤثرات العقلية والمواد ذات الصلة ؛
غياب سياسية جنائية تركز على تكوين السجناء وتعليمهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم؛
الإطار المعياري الحالي بشأن الأسلحة البيضاء والنارية الذي لا يلبي ضرورة وطنية ولا يتماشى مع الإطار القانوني الدولي؛
4. التعامل مع الوضع القائم
في أعقاب جرائم القتل التي ارتكبت مؤخرا ، وبناء على تعليمات من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، تم اتخاذ إجراءات فورية من بينها:
اعتماد الأمر رقم 464 بتاريخ 27 أبريل 2021 بشأن إنشاء لجان أمن جهوية ومقاطعية لتعزيز مهام الإشراف والتنسيق بين هياكل الأمن العمومي والسلطات الإدارية (الولاة والحكام) وتوسيع هذه الهياكل لتشمل المنتخبين المحليين أي العمد على وجه الخصوص ؛
تنظيم اجتماعات يومية لتقييم الوضع الأمني بحضور جميع الفاعلين بهدف ملاءمة الآليات الأمنية المنتشرة من حيث الطبيعة والقيمة والموقف؛
تشكيل لجان المراقبة واليقظة التي تقدم المعلومات والتنبيه والتأطير؛
إنشاء نظام للتقييم الأسبوعي للأنشطة المنفذة من أجل زيادة فعاليتها ؛
فتح رقم أخضر يعمل بجميع شبكات الاتصال، أمام المواطنين للتبليغ عن أي خطر يهدد الأمن والسكينة العامين.
لا يزال التقييم جارياً للمعدات والبنية التحتية المطلوب توفيرها بشكل عاجل لتحسين الوضع الأمني.
5. الخطوط الرئيسية للسياسة الأمنية
الأمن الداخلي هو المرتكز الاستراتيجي الأول في خطة عمل قطاعنا بالنسبة للفترة مابين 2020-2024. وفي ذلك إحالة قوية إلى الأهمية التي يوليها فخامة رئيس الجمهورية والحكومة للأمن الداخلي.
وهدفنا هو تعزيز وتحديث خدمات الأمن القومي لدينا من أجل ضمان السلام والأمن والنظام العام. وسيتحقق هذا الهدف من خلال تعزيز الرقابة والتنسيق في الشؤون الأمنية وحماية المواطنين وممتلكاتهم من المخاطر الكبرى ومكافحة الجريمة والانحراف في المناطق الحضرية.
تقوم السياسة الأمنية على مبدأين رئيسيين: تعزيز القدرات العملياتية، والتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية.
وهناك ثلاث مقاربات عملية تميزها أيضا:
تحديد ملاذات انعدام الأمن؛
تطويق الأوكار التي تم تحديدها ومراقبة الفنادق والسيارات المشبوهة؛
تسيير دوريات آلية (ثابتة ومتحركة) وراجلة لتغطية جميع الأماكن؛
وفي الوقت نفسه، يواصل قطاعنا التفكير في آليات تحسين الوضع الأمني، وإطلاق ورشات إصلاحات تشريعية وتنظيمية، لا سيما فيما يتعلق بإطار جنائي رادع يقوم على أساس مطلب الردع المزدوج، وكذلك القمع الذي لا يلين. ويجري بالفعل إعداد مسودات النصوص القانونية وستقدم في القريب العاجل للحكومة للمصادقة عليها.
وتأخذ هذه النصوص الجديدة في الاعتبار العلاج المناسب الذي يجب أن يحتفظ به للمعادين وتضع أحكامًا جديدة لتنظيم الأسلحة الصغيرة والأسلحة البيضاء ومختلف المخدرات والمؤثرات العقلية.
وفي نطاق تنفيذ هذه السياسة الأمنية تم:
اكتتاب أكثر من 1000 وكيل شرطة خلال العامين الماضيين، وهو رقم أعلى بكثير من العدد التراكمي المكتتب من أفراد الشرطة خلال العشرية المنصرمة؛
إنشاء المركز العملياتي للأمن نواكشوط (COSEN) ،
صدور المرسوم 043-2021 الخاص بتنظيم المديرية العامة للأمن الوطني. والذي ينص على إنشاء إدارة للشرطة الفنية والعلمية بهدف تحسين أداء الشرطة الوطنية في مجال التحقيقات والبحث والتعرف على المجرمين والمنحرفين والضحايا وحتى الشهود.
إطلاق مشروع المراقبة بالفيديو في مدينة نواكشوط؛
تفكيك عشرات الشبكات الإجرامية ؛
القبض في كل مرة على منفذي الجرائم مهما كان نوعها ؛
ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن الأمن ليس فقط مشتقًا من القوة، بل هو أيضًا وقبل كل شيء بناء جماعي. ولهذا يجري التحضير لعقد ندوة وطنية حول الأمن في القريب العاجل، لتقاسم الرؤية والأسس النظرية للإستراتيجية الأمنية للحكومة مع جميع الفاعلين، بما فيهم الفاعلون غير المؤسسيين.
6. خلاصة:
يجدر التنبيه إلى أنه منذ تسلم فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد السلطة، لم يحدث أي انفلات أمني ولن يحدث إن شاء الله لأن هناك إرادة قوية، ومقاربة أمنية علمية، وجاهزية كبرى من قبل السلطات العليا للتصدي لأي محاولة تمس أمن واستقرار البلد.
نذكر أن أمن البلد واستقراره مسألة تهم الجميع وفوق كل الاعتبارات، والمشاكل المطروحة بخصوص السهر على أمن المواطنين وممتلكاتهم يجب أن نبتعد بها عن التسييس والتلاعب والتأثير والتشويش على عمل الأجهزة الأمنية، بينما تمثل غرفتكم الموقرة مكانا ملائما لطرح ونقاش هذه القضايا.
ومن جهة أخرى وانطلاقا من المقاربة الأمنية المبنية على أسس علمية وتشاركية، سيظل الوضع الأمني في تحسن دائم من منطلقات حرصنا على أن يضطلع الجميع بمسؤولياته كاملة في هذا المجال. لأنه بدون مشاركة الجميع في المقاربة الأمنية التشاركية سيظل العمل ناقصا. فإذا أخذنا على سبيل المثال ظاهرة الاغتصاب من منظور التشخيص الموضوعي الذي قيم به للظاهرة نجد أن نسبة 42% من الحالات المسجلة بهذا الخصوص تم ارتكابها من طرف شخص من محيط الضحية، لذا يجب أن يعي الجميع جسامة المسؤوليات الملقاة على عواتقهم.
ولن يكون هناك تساهل مع أي تصرف يراد منه بث الشعور بانعدام الأمن بين المواطنين، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة تداولا لمثل هذه التصرفات نقدم لكم نماذج منها.