السعادة أين؟ / القصطلاني سيدي محمد
كم من رجل أعمال جمع مالا وافرا ليوفر به السعادة لنفسه و أهله فإذا بالحسرات تلاحقه!!!
كم من قائد ساد الناس بقوته و دهائه و حسب أن السعادة في السيادة فإذ بالأحزان تعيقه و تأسره!!!
كم من خبير أتقن عمله و خبرته أيما إتقان و نال مكانة و شهرة قل نظيرها؛
و حسب أن السعادة في المكانة و الشهرة فإذ به يواجه وخزات من البؤس تعكر صفو حياته!!!
فأين هي السعادة إذن ؟
التجارب و الواقع يخبرنا أن السعادة ليست في المال و لا في السيادة و لا في الشهرة
فرب فقير يقتات طول يومه على رغيف واحد ؛ تمر عليه و هو مبتسم إبتسامة هزمت كل ما به من جوع و مرض
و رسمت السعادة على وجهه لتوزعها في وجوه الآخرين
و كم من غني يتكؤ على فراشه الوثير و يأكل من طعامه الطري الكثير ؛ ترى على وجهه ملامح بؤس لم تستطع مظاهر الترف إخفاؤها
نبحث عن السعادة في الأشياء و نحاول أن نصنعها من مادة جامدة !
نحاول أن نصنعها ببنايات شاهقة و مركبات فاخرة و ملابس أرقى ما تكون ؛ و جسم أجمل و أقوى
دون أن ندرك أن بين جنبينا قلب صغير نابض ؛ يدق في الدقيقة أكثر من سبعين مرة ؛ هو من يحتاج أن ننظفه و نضبطه و نبنيه لنكسب السعادة!
فإطعامك فقير محتاج ليتبدد عنه شبح الجوع ؛ يكتب في قلبك من السعادة ما تعجز عنه تلك الأكلة الشهية التي تناولتها في فندق 5نجوم.
و تفريجك لكرب أخيك الانسان لتراه يفرح و يسر بذلك؛
يترك راحة في القلب عجزت عنها عشرات الانجازات التي قمت بها لنفسك
أتدري كيف ذلك أيها الانسان؟
إن السعادة عند الله و بالله و من الله
و الله لا ينظر الى صورنا و لا إلى إجسادنا و لكن إلى قلوبنا
عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم))؛ (رواه مسلم).
و كفى بالقلب سعادة ان ينظر إليه الرب نظرة رضى
إملأ قلبك بالايمان و الاحسان لا بالمال و الشهوات ؛ تجد السعادة تغمرك
لن يعكر صفو سعادتك مرض لأنك تحتسبه أجر تكسبه و وزر تمحوه
لن يصل قلبك حسد لأنك تعتبر ما عند الآخر عطاءا من الله لحكمة هو أدرى بها ؛ فربما منع عنك الشيئ رحمة بك !
فالقلب المليئ بالايمان ثابت مستقر ؛ ملؤه الحب و السلام و القناعة و الرضى
فهو قلب خير و سعادة مطمئن في السراء و الضراء
عَنْ أَبِي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤمنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم
إذا أردت السعادة فأربط قلبك بالله و طهره بذكره
قال تعالى ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب”
فقط حين تربط القلب ببارئه تنال سعادة تحفظك في الدنيا و ترحمك في الآخرة ؛ سعادة مستمرة ؛
لأنها سعادة إيمانية منبعها من معين التوحيد الصافي و أصلها الإيمان الراسخ
تصحبك و أنت كثير المال بالشكر ؛ و الانفاق و رحمة الضعيف
و ترافقك و انت قليل المال بالرضى و الشكر و القناعة
و تذكرك و أنت قوي سوي بأخيك الانسان الضعيف السقيم لتؤازره
و تؤنسك و أنت مريض بلطف ربك و حسن تدبيره
تلك هي السعادة التي يجعلها الله في قلب من تعلق به
جعلني الله و إياكم ممن رزقهم الله سعادة الدارين