أقلام

أزمة لبيك يا حسين / محمد سالم جدو

أزمة لبيك يا حسين
وصل الانسداد السياسي في العراق مرحلة حرجة ومعقدة، خصوصا بعد انسحاب زعيم الكتلة الصدرية -الفائزة بـ٨٣ مقعدا في الانتخابات التشريعية الأخيرة- مقتدى الصدر من المشهد السياسي ودعوته كافة نواب الكتلة إلى الاستقالة، ما مهد لإيصال المشهد إلى أشد أوضاعه حدة منذ أمد.

مقتدى الصدر هو رجل دين وسياسي عراقي شيعي، ويبدو أنه مازال يترنح بين الدين والسياسة، تارة يعتزل السياسة وتارة أخرى يتغزل بها، ففي الدين لم يبلغ بعد مرحلة المرجعية الشيعية (آية الله)، وفي السياسة لم يبلغ مرحلة الحكم (المشاركة في تعيين حكومة عراقية).

وفي الانتخابات التشريعية تشرين الأول فاز التيار الصدري بنصيب الأسد (٧٣)، لكن هذا العدد لا يخول الكتلة للانفراد بتعيين حكومة جديدة، لأن النصاب الأدنى هو ٢٢٠ نائبا، بالتالي وجد الصدر نفسه مجبرا على التحالف مع أحزاب أخرى، فشكل تحالفا مع الأحزاب السنية والكردية، هذا التحالف الذي جمع خلاله ١٩٠ نائبا، لم يسعف العراقيين من مأزق الانسداد، وبقي الإطار التنسيقي المدعوم من إيران مستحوذا على ٥٩ من أصل ٣٢٩، والبقية كانت بين مستقلين أو غير محسوبين على كتل سياسية أخرى.

ترنحُ الصدر لم ينحصر بين السياسة وتعلم الدين، بل انعكس أيضا على موقفه من إيران، تارة يتقرب منهم وتارة أخرى ينفر، ويبدو أن نفوره منهم طال هذه المرة، فهو يعارض بشدة الدخل الإيراني في العراق، على عكس الصدر أيام هزيمة جيش المهدي على يد نوري المالكي (المقرب حاليا من إيران) يوم فر الصدر إلى مدينة قم الدينية الإيرانية، وانعكس قربه من إيران إبان مقتل قاسم سليماني، -ربما أراد حينها كسب ثقة روحاني. ترنحَ الصدر كذلك في مواقفه من السنة في العراق، فبعد أن ارتكب جيش المهدي مجازر شنيعة في حقهم، ها هو الآن يضمهم إلى معسكره السياسي (تحالف إنقاذ الوطن).

بعد اقتحام المحتجين القصر الجمهوري ومبنى البرلمان بالمنطقة الخضراء في بغداد، احتجاجا على الأوضاع السياسية المتأزمة، طالب الصدر أنصار بالانسحاب في رسالة إلى الرأي العام العراقي والنخبة السياسية، مفادها “أنا من سبب هذه الفوضى وأنا من يمكنه إيقافها”، لكن إيقاف أعمال الشغب سيكون إيقافاً مؤقتاً، إذا لم تصدر المحكمة الاتحادية قرارا بحل البرلمان، وحل البرلمان هو أهون الشرين، لكنه – على الأقل – سيمنح فرصة وسيعيد احتمال الرجوع بالاستقرار السياسي ويمنح الكتل الفرصة لإعادة النظر في شؤونها، أو للمشاركة في حوار سياسي وطني.

أطراف الاحتجاج العنيف كانت أنصار التيار الصدري بقيادة مقتدى حليف مسعود البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وأنصار الإطار التنسيقي بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي لم يسلم هو الآخر من “الترنحية السياسية” بموالاته لإيران مؤخرا.

وحلول المأزق العراقي، بوصفه أزمة سياسية مستمدة من جذور إقليمية لايمكن حلها إلا بأيادي وطنية تضع مصلحة البلد وأولوياته فوق كل اعتبار، وسيكون من الأصلح أن يصدر قرار المحكمة الاتحادية بحل البرلمان، أو أن تستقيل كل النخبة السياسية وتعتزل المشهد لتتركه لساسة من الصف الثاني، وهذا خيار غير مطروح وغير واقعي للأسف..

ولعل ترديد المتظاهرين لشعار “لبيك ياعلي” كان خطأ في استشعار وتشخيص مرض العراق، فالأولى لهم أن يرددوا شعار “لبيك يا عراق” بحكم أن الولاء للوطن – في هذه الوضعية – أحق من الولاء للطائفة أو الفئة.
محمدسالم جدو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى