نشيد الشعراء/محفوظ السالك
أزيد من ثلاث وعشرين قصيدة، جادت بها قرائح الشعراء المختارين في لجنة النشيد، فأنتجوا أزيد من مائتي بيت، خرجت عصارتها في ثلاثة عشر بيتا من بحر المتقارب.
وقد تقاربت بعض كلمات النشيد المقدم من طرف اللجنة، مع بعض الكلمات المشهورة لبعض الشعراء المشهورين من أعضاء اللجنة، وحظي حزب “الوئام” بذكر اسمه في النشيد، ولو من باب الصدفة، التي كانت قد تأتي ب”التحالف” أو “الاتحاد”، أو غيرهما من الأسماء التي تصب في مصب “الوئام” المروم.
كما حضرت في النشيد عبارة “البدور” عوض “بدر” واحد، وهو الأصح عدديا لدى البعض، وتقابله في الشطر الثاني “شمس” واحدة، لا شموس.
كانت ظلال “سارق النار” و “سليل عروبة إفريقي” حاضرة، ولو قليلا، فوردت في النشيد “إلى سدرة المجد”، عوض إلى “سدرة المنتهى” في قصيدة أخرى، و “لا يضام” التي وردت في مدح أحد ضيوف القمة العربية بانواكشوط.
حضر الدعاء بالتثبت والتبشير بالنصر من خلال الٱية “إن مع العسر يسرا”، في انتظار “كسو الربى بالأمل”.
تكاد تسمع للحماس همسا، أما “تمجيد دور الأباة المقاومين”، وبث “روح التضحية” و”الحث على التضحية من أجل الوطن”، وغيرها من العناوين التي برر بها البعض إلغاء النشيد الوطني القديم، فلا وجود لها في البيوتات 13 من القصائد 23 لشعراء “موريتانيا الجديدة”.
بدت الٱية التي وردت في النشيد، وقيل إنها بتوصية من رئيس الجمهورية، وكأنها مقحمة، حيث ورد “ترتيل إن مع العسر يسرا” في الشطر الثاني من بيت يقول بمقاومة من جاس من الأعداء.
القطيعة مع ما اعتبره البعض مجرد “تبتلات دينية” في وصفه للنشيد الوطني القديم، بدت غير ممكنة، ولولا إكراهات سقف الحرية الواطئ للشعراء، وإملاءات السياسة لدى صانعي قرار “موريتانيا الجديدة” من خلال علم ونشيد جديدين، لكان أقوم وأجمل وأقوى للأبيات الثلاثة عشر أن تكون هي ذاتها النشيد الأول، أو الإبقاء على بعض أبياته، بدل إيراد بعض مضمونها على استحياء وخجل كبيرين.
ففي أحد أبيات النشيد الوطني القديم، والذي غمز فيه ولمز، وانتقد وكاتبه، دعوة إلى “سلك سبيل المصطفى، والموت على ذلك”، وفي النشيد الجديد ورد مضمون البيت بصيغة الماضي “قفونا الرسول بنهج سما”، بدل صيغة الأمر هناك.
لا أثر لقوة سبك صاحب “الضبح على الأرض، أو القدح على الحجر”، ولا لانسيابية “سائس الأبقار حادي النوق”، ولا ل”حديث النخل ذات زمان”، ولا أثر لكاتبة “تغدو الجيوش وجند الله يكلؤها”…
ومع ذلك فهم جميعا وغيرهم حاضرون في النص الشعري ومعنيون به، فجاء خليط قصائدهم في “خلطة شعرية” لو حوكمت بذات المقاييس والمعايير “الفنية، والشعرية”التي يأخذها البعض على النشيد الأول، لما قدمت للعزف كنشيد.
غدا يصوت برلمان الغرفة الواحدة على نشيد “الجمهورية الثالثة” في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ويجد تلاميذ المدارس أنفسهم أمام نشيد جديد، سيجد المعلمون صعوبة، في تحديد من كتبه، فقد كان نتاج “حمية” في “محمية شعر” غير طبيعية، كما سيجدون أنفسهم أمام علم جديد يؤدون له التحية كل صباح، وهم يرددون عوض “كن للإله ناصرا” التي رددت الأجيال عقودا، “بلاد الأباة الهداة الكرام”.
ويحكي لهم الأمين من المعلمين أن أزيد من ثلاثين أديبا وشاعرا اجتمعوا أسابيع وقرضوا أزيد من مائتي بيت شعري، اختيرت منها ثلاثة عشر لتحل محل نشيد أفاق عليه الموريتانيون بعد الاستقلال، وارتبط في أذهانهم بحقبة التأسيس لموريتانيا دولة حرة ومستقلة، يذود حماتها عن حماها، ويتصدون لمن يغار على شبر من أراضيها.