أقلام

قرية تفيريت…ضريبة التماس/محمد سعيد سيد إبراهيم

 

قرية تفيريت…ضريبة التماس.
كان أول من نزل على ربوع هذه الكثبان الرملية قوم بداة ا تعودوا نمط حياة ابن الطلبه و الجوادي وفتى الخمس، يظعنون باستمرار بحثا عن أبكار المنازل، ومخصبات المراعي ، وصافيات المناهل، لم يعرفوا منذو وفادة الأجداد ٱلى هذا المنكب البرزخي أي نوع من التحضر ، بل كان هؤلاء القوم يعتبرون الاستقرار باستمرار في منطقة واحدة لفترة طويلة عيبا وعجزا ومنقصة .
فهم كالجياد تعفو إذا ما@
نفق الراكضات عند الكلال@
نعم كانو _كما قال ابن الطلبه_ا كالجياد تزيد في الجري كلما أبطأت عن الجري راكضات الجياد من شدة التعب.
كان القوم كذلك إلى أن دفعتهم صروف الدهر وظروف المناخ إلى المناخ على هذه الكثبان الرملية قبل مايناهز أربعين عاما، وبالتحديد في نهاية سنة1981 مع بداية تشكل التجمعات القروية استعداد لما سيعرف لاحقا بهياكل تهذيب الجماهير .
وهكذا تشكلت قرية تفيريت العتيقة في تضاريس صحراوية لا ماء بها ولا مرعى ،فكانت الأعرشة و الخيام والسكان عرضة لعصف الطبيعة القاسية ، وخنق الجفاف المدمر، بيد أنها كانت أكثر التجمعات السكانية متاخمة للعاصمة ،فهي لا تبعد سوى خمس وعشرين كيلومتر عن قلب العاصمة انواكشوط، ورغم ضراوة تلك الصعاب، استمرت الحياة في القرية بفضل صمود وتضحيات أبنائها ، فقد كانت أغلب الخيام تطمر ليلا بالكثبان المتحركة وهي مشيدة على ركائزها ، فيجتمع الشباب مع انبلاج ضوء الصباح الباكر لإزاحة تلك التراكمات الرملية بسواعدهم ،ووسائلهم البدائية.
وينقضى عقد الثمانينات الشديد والحال هكذا …
لكن ما كادت تلك السنوات العجاف تمضي حتى أصبح موقع القرية الاستراتجي بجواره للعاصمة ونقاوة كثبانه الرملية المذللة بأقدام الساكنة ، موقعا مغريا للأباطرة من مسؤولي الدولة العميقة، فاتخذ كل نمط من أنماط الجهات الرسمية مستقرا له في قرية تفيريت ، يهرع إليه أوقات الراحة والاستجمام، فأحاطت بالقرية القديمة منازل الوزراء ورؤساء الحكومات، ورؤساء الهيآت التشريعية ، والرؤساء السابقين، مما حدا برئيس الجمهورية حينها إلى اتخاذ منزل يليق بالمقام في تفيريت.
وأصبحت القرية الصغيرة محط أنظار المسؤولين والمستثمرين في العقار من التجار،.
إلى أن أقدمت المجموعة الحضرية للعاصمة انواكشوط على اتخاذها مكبا لنفايات المدينة المتعفنة ، فهجرها الوافدون الجدد من لمسؤولين مخلفين وراءهم قصورا مشيدة خاوية على عروشها، وعاد السكان الأصليون إلى المعاناة من جديد .وكأن القدر يقضي عليهم أن لا يتمتعوا بملكية الأرض إلا في أوقات الشدائد، عادوا للمعاناة من جديد لكن معاناتهم هذه المرة ليست ضد الطبيعية التي ثبتوها بسكب عرق الجبين، وذللوها وطئ أقدامهم كل حين، ومهدوها ببذل الغالي وللثمين.
إنها معاناة الانسان من حيف اخيه الانسان ، فاتخذ السكان الأصليون النضال سبيلا لدفع الضرر ، والاحتجاج وسيلة للتعبير عن التضرر، فنظموا الوقفات الاحتجاجية أمام القصر الرئاسي و وقفوا حائطا بشريا أمام شاحنات القمامة ، فما كان من السلطات إلا أن اعتقلت رجال الحي وفرضت طمره بالنفايات بالقوة، فلجأ القوم إلى العدالة علها تنصف المظلوم فماطلت ما يزيد على عشر سنين قبل أن تصدر الحكم بعدم مشروعية تشييد مكب طمر النفايات بين بيوت المواطنين الاصليين لما فيه من مضار صحية وبيئية محققة.
إلا أن هذا النصر الذي حققه السكان الأصليون باستصدار هذا الحكم العدلي، لم تترك لهم فرصة الفرح به إذ تم الالتفاف عليه بضم قرية تفيريت إلى الحيز الجغرافي للعاصمة ان انواكشوط ، لتذوب هويتها ، وتنتفي خصوصيتها ، وينتهي المطاف بها بفعل حجر جائحة كورونا كزرة تفتح ذاعيها لتستقبل بيوتها الوافدين من جميع الولايات بالترحاب والضيافة ليلا دون حجر أو حرج ، إذ كيف يحجر على الضيف في بيوت الكرام، وهم يعلمون أطفالهم في طور التهجي :
آل يعقوب شمروا للمعالي@
واستعدوا لما تجيء الليالي@
وأعدوا. لكل خطب ملم@
عده من عزازة ونوال@
وتواصوا بالحق والصبر وابغوا@
في العفاف الغنى على كل حال@
وامروا بالمعروف وانهوا عن المن@
_كر واسموا للمكرمات العوالي@
ومن المكرومات العوالي أن يوصل الضيف إلى وجهته ، فتصبح بذلك قرية تفيريت نقطة وصل لا نقطة فصل . ومعبرا للوافدين لا محجرا لهم.

محمد سعيد سيد إبراهيم
قاطن أصلي في القرية..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى