أقلام

مرحلة السجون (معلومات تنشر لأول مرة عن البعث الموريتاني ) ح5

 

 

 

من اجريدة الى وادان

لقدصدرت عليناأحكام المحكمة العسكرية المنعقدة آخر سنة ١٩٨٣ وكان نصيبي واثنين من الرفاق السجن ١٢سنة مع الاشغال الشاقة وباق الرفاق الثمانية محكومين بعشر سنوات مع الاشغال  الشاقة ايضا وبقينا شهرين في قاعدة اجريدة وكانت تلك الفترة اكثر فترة رأيت فيها حياة رفاقية راقية واتسم الجميع بصفات المناضل المثالي فوضع الجميع كلما يملكون ووضعوه عنداحدهم ينفق عليهم منه وبدؤوا يتصرفون بروح من التضامن والتعاضد لم ارى مثله من قبل كما أنى لم ارى مثله من بعد وكنا ندرس امور البلد ونتعمق في فهم الواقع كما لوكنا سنبدأ تسيير الشأن العام ذلك الوقت وكان يزورنا أحيانا قائد المنطقة العسكرية السادسة النقيب ابريك بن انبارك وهو مقرب من ولدهيدالة وقدجاملنا بالجلوس معنا واشترك معنا في وجبة غذائية و شجعنا على الصبر وقال لنا انه قدمربفترة سجن وان كل شيء سينتهي  وانني شخصيا ممتن للنقيب على تلك الاشارات لانه لايحتاجها فاذا اعتبرها صادقة
وعندما قرب تاريخ ترحيلنا الى الاماكن التي فيها فترة مسجونيتنا بدانا نتلقى معلومات مفصلة عن شكل توزيعنا والاماكن التي سنرسل اليها ومع انه سيثبت لنا كذب تلك التسريبات فى النهاية فلقد بنينا عليهاوقسمنا ممتلكاتنا وادواتنا وزادنا على اساس تلك التسريبات غير الصحيحة وعندما حان الوقت جائتنا شاحنة عسكرية كبيرة وحملتنا الى منطقة هوائيات الاذاعة( سانترامتير ) ووجدنا وحدات من
الحرس وبدؤوا ينادو على الاسماء وياخذو كل مجموعة الى سيارتها وعندها اكتشفنا كذب التسريب
الذي على اساسه وزعنا ادواتنا وزادنا وعندما عرف الرفاق انني و ممد سنكون في سيارة صارت كل مجموعة ترسل لنا ماعندها من الادوات ومن الزاد حتى امتلات سيارتنا ومررنا من انواكشوط قبل التاسعة وتوجهت بنا صوب الشمال وكنا فى مكان ضيق(تحت الباش) ولو لم يحولونا لنكون نحن الاثنين مع حرسي فى المقعد الامام لهلكنا اختناقا لضيق المكان ولست اعرف كيف وفقوا لانقاذنا من ذلك المكان اللعين ووصلنا اطار قرب الفجر وجائتنا سيارتين وودع كل مناصاحبه لانعلم اين سنتجه وقد قام ممد بارسال كل ماكان موجودا من زاد الي تماما
كمافعل من قبل الرفاق معي  وممد وعندطلوع الفجر
وقفنا للصلاة قرب مدينة شنقيط وشربنا الشاي وواصلنا طريقنا نحو وادان ووصلناها الحادية عشر قبل الزوال ولاننا لم نجد الحاكم الذي كان مسافرا فقدبقيت نصف ساعة واقفا في انتظار  وجهة ياخذنى هؤلاء السادة اليها و اللذين لم يعرفو ماذا يفعلوا بى وفي الاخير ارسلونى الى غرفة قديمةغير نظيفة وغير مفروشة وبعدقليل جاؤوني واقعدوني وسط صالون الحاكم وبين ضيوفه وبعد الظهرجاء وفد من قيادة الهياكل وهو التنظيم الذي انشاه هيدالة مترافقا و اعتقالاتنا وكنا نعتبر الهياكل من ادوات السلطة التي انشات لقمعنا ومن يعارض النظام لقدجاءت بعثة من الهياكل يرأسها الاتحادي السيد مامون ولد الشيخ سعدبوه و نزلوا معي وصرت أئمهم في الصلاة و أناقش معهم جميع الموضوعات ماعدى السياسة و بعدثلاثة أيام جاء حاكم المقاطعة و هو محمد بن الكيحل و اعتبره من أجود من عرفت من الحكام و لأن الحرس لم يأتوه بعد وصوله مباشرة ولم يأتيه الكاتب فقد بدى متحيرا في أمري و مظهري و ربما اعتبرني مفتشا أو مبعوثا من وزارة الداخلية فقد بدى حائرا و يكرر السلام و يبحث عن أجوبة لتساؤلاته فرحمته عندما قال لي كم لكم وصلتم هنا قلت له أنا هدية أرسلها لكم هيدالة أراد سجني فلم يجد مكانا يسجنني فيه فارسلني إليكم فقام مسرعا و أرسل للكاتب و قائد الحرس وأعطوه الرسائل التي تحتوي المعلومات و التعليمات و بعد قراءتها جاءني مهموما يفكر فيما عليه فعله معي فقلت له السيد الحاكم استأذنكم في إبداء رأي قد يفيدكم قال لي تفضل قلت له لا تحمل أي هم فلن نستمر أنا و لا انت و لا هيدالة بحالنا هذه و لا تفكر باثنا عشر سنة لن تتحقق الأمور إلى تبدل و تغير و ربما أسرع مما ترى ومما أرى أنا و يرى هيدالة لم يتكلم لكنني كونت انطباعا مقتضاه أنه لم ينزعج من كلامي و لقد بدا يعد لي مكانا بعيدا من مسكنه و كان دارا قد بنيت كمكاتب للمقاطعة لكنها قبل استخدامها هاجمتها البوليزاريو في إحدى غاراتها أصابتها ببعض القذائف فلم تتحطم لكنها لم تستخدم بعد ذلك و كانت بعيدة نسبيا من المدينة و لا يوجد معي فيها إلا حارس و الفراش قليل و ظروف الحياة كلها صعبة و عند تحويلي إلى مكاني الجديد تكلمت مع الحاكم حول تحسين ظروفي الحياتية كلها فقال أنه لم يبخل فمخصصنا الذي قالت السلطة أنها نظريا خصصته لنا
دون أن ترسله فعليا ٤٠ أوقية لليوم و هو لن يهتم بذلك سيغذينا بغذائه و يسقينا من شرابه فسكت عنه ثلاثة أيام و في اليوم الرابع أرسلت له أطلبه لأمر هام و عندما قدم علي حييته بأحسن تحية و أعطيته رسالة تتضمن سبعة مطالب أطلب أن تتحق
الموافقة عليها و تطبيق الجزء منها القابل للتطبيق قبل يوم الخميس و كان هذا يوم الإثنين و عدم تلبيتها يترتب عليه أمر سيعرف في وقته أخذ الرسالة و أخبرني الحرس أنه أرسل محتواها مشفرا في نفس اليوم و في يوم الأربعاء قدم إلي محمد بن الكيحل الذي أرجو أن يكون الآن في أحسن حال و مسكنه ليس بعيدا من مسكني الحالي قلت و في يوم الأربعاء مساءا قدم إلي الحاكم “محمد ولد الكيحل” و جائني بكل مطالبي التي يمكن تلبيتها مباشرة فراش و شاي و سكر و قرب للشراب و عامل للإتيان بالماء و غسل الثياب و قنينة من دهن الماعز وقال لي بالنسبة للرياضة فلك الحق فيما تشاء منها و الزيارة سأسمح لمن يزورك أن يسكن معك حتى يرجع و هناك مطلب واحد أخبرك أن التعليمات أعطيت لي باستحالته ألا و هو السفر للعلاج فلا سفر للعلاج مهما كان المرض لكن نخبر القطاع العسكري يرسل لنا طبيبا فأبديت له موافقتي على ماقبلوا و تنازلي عما رفضوا و عشت معه في انسجام وفي صيف سنة ١٩٨٤ بدأ نظام ولد هيدالة حملة اعتقالات للناصريين و عند علمي بالخبر أرسلت للحاكم أطلبه فقلت بعد السلام أن لدي موقف أحب أن تعلم به السلطة إنني أدين الحملة الفاشية التي تستهدف مكونا محترما من القوة الحية في هذ البلد و اننى اعلن تضامني معهم واشجب ا لادعاآت الكاذبة التى تتهمهم بمختلف التهم التي سبق وتعرضنالها قبلهم وسلمت له بيانا بهذ المحتوى وطلبت منه عدم
الانصياع لحملة المطاردة التى ستصدرحسب العادة استمع الي ولم يرد ولقدرايت من دماثة خلق هذ الحاكم ولباقته وتواضعه الشيء الكثيرلقدكان يوما يريد السفر الى عاصمة الولاية فى سيارة عمومية لان سيارته متعطلة وكان فيها مكان واحد فى المقدمة خصص للحاكم وكانت زوجتي قد انهت زيارتها وتريد السفر معهم لاطار ولديها طفل صغير فلما رآها تريد الركوب نزل واعطاها مكانه وركب فى الخلف مع الركاب! ولم الاحظ عليه الا انه لم يجعل الله همته فى بطنه! لم يكن اهتمامه كبيرا بمائدته اتمنى ان يكون بصحة جيدة.
ولقدحول فى آخر سنة ٨٤ و حل مكانه رجل طيب بدا فور تسلمه لعمله فى تحويلى الى مكان قريب جدا من مسكنه ومكتبه وكان حسن المائدة وقليل الاختلاط بى ولقد وضعت لنفسى برنامجا دقيقا بحيث حددت كل اوقاتى لانشطة محددة لكل وقت فبعد صلاة الصبح اقوم برياضة الجري ساعة تامة ونصف ساعة من الجمناستيك انواع الحركات ونعود لاخذ الفطور نستمع اثناء الفطور للاذاعات وقرب التاسعة تبدأ القراءة حتى الثانية عشرة ثم نومة قبل الظهر بعدها تارة يكون الغداء ثم الصلاة واحيانا الصلاة تسبق الغداء بعد ذلك اخصصه للتسلية وغالبا ماتكون بظامت ( اصرند ) وبعد العصر رياضة المشي بين ساعتين وساعة ونصف مشي وبعد المغرب للاذاعة وبعد العشاء النوم مبكرا هذالبرنامج حافظت عليه السنة التي امضيت فى ودان ولقد كنت اعد للهروب من السجن واعددت كثيرا من الاعداد ودرست كل الطرق من وادان الى مال و علمت الكثيرة عن تلك المجابات و وضعت الخطط وغيرتها وبقت أمور لم استطع ايجاد حل لها ولقد كنا قبل ان نفترق من اجريدة قد وضعنا رموزا شيفرية لتبادل الرسائل بيننا وفكرت فى تاثير هروبى على باق الجماعة و الى انه يجب اخبارهم ليلا يتفاجؤو باجراآت تؤثر عليهم ولان الجماعة فى اماكن مختلفة ففد صعب الامر علي وأثر على استعداداتى حتى جاء يوم ١٢- ١٢ وكنت بعدالغداء والصلاة أنتظر جنديا من الوحدة العسكرية فى وادان يأتينى ليلعب معى ظامت وكانت العادة ان الزمه بغسل جواربه وقدميه لنمارس بعد ذلك اللعبة وفى هذ اليوم قال لى وهو يصعد الي انا فى الطابق العلوللمبنى الذى اقيم فيه قال ان هناك انقلاب اومحاولة انقلاب فى انواكشوط قلت له ماذاقلت اعاد الي العبارة فتركته ولم اسال عن جواربه واقدامه ففتحت الاذاعة وجلست استمع لخبر الانقلاب وتاكدت من الامر
وعندما استتب الامر لمعاوية ولدسيداحمد الطائع واعلن العفو وكان ضحوة وانا امارس برنامج المطالعة فاذا الحاكم ومعه جمع من الناس يصعدون الينا والحاكم ينادني بان نخرج من هذ المكان دون تاخير فرحبت بهم وشكرتهم وقلت لهم اننا نحتاج بعض الوقت لنجهز للرحيل لكن بلا جدوى جمعو اثاثنا ومتاعنا كادوا يحملوننا جزاهم الله خيرا وبدات رحلة العودة لنواكشوط……

من مذكرات الأستاذ التراد سيدي قيادي من الجيل الأول للبعث الموريتاني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى