أقلام

هل الإسلام دين علماني ؟؟ /محمد بن عبد الله الشنقيطي

 

 

 

هل الإسلام دين علماني ؟؟

كتبه : محمد بن عبد الله الشنقيطي

قبل أيام سجّل أحد أدعياء التنوير والحداثة في موريتانيا مقطعاً يُردد فيه “أن الإسلام دين علماني “! ليُسوغ بذلك فكرة(Secularism) -والتي تعني اللادينية”- إلى ذِهنية هذا المجتمع الإسلامي ..!

وفي ظنّي أنه لو عرّف العلمانية انطلاقاً من مصادرها وعند مُظّريها والعالم الذي وفدت منه ، وعرّف الإسلام انطلاقا من مصادره وكما يرضاهُ مُشرّعه الذي جعله منهاجاً للناس..لَزالَ عنه اللّبسُ ولاتّضح له الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود !

فما هو مفهوم الإسلام ؟ وما هو مفهوم العلمانية ؟ وهل يتّفقان أم يتضادان ؟
وهل الإسلام دين علماني ؟

أولاً : مفهوم الإسلام لغة هو الاستسلام والخضوع !
واصطلاحاً هو الانقياد والاستسلام لأوامر الله تعالى وشرعه ونهجِه الحكيم
((ومن يُسلم وجهه إلى الله وهو مُحسنٌ فقد استمسك بالعُروة الوثقى))
هو الدين الذي أنزل الله به آخر الكتب ، وختم به آخر الرسل، وجاءت رسالته شاملةً وناسخةً لما سبقها من الشرائع من عقائد وعبادات وأخلاق وآداب ومُعاملات..الخ.

مصدر هذا الدين هو القرآن الكريم الذي تكفّل الله بحفظه ، ومايُبين هذا القرآن ويشرحه من صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كلّفه الله بِبيان القرآن بالقول والفعل والتقرير ..(( وأنزلنا إليك الكتاب لتُيّن للناس ما نُزّل إليهم..))
ثم المصدر الثالث إجماع علماء الأمة المجتدهين الضّالعون في العلوم الشريعة الذين أوصى الله بالرجوع إليهم بعد العودة إلى كتابه وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم
قال تعالى ( فلو ردوه إلى الله والرسول وإلى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )

أما العلمانية فهي من الناحية اللغوية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية، أو (secularity) بالفرنسية ،

فهي كلمة لا صلة لها بالعلم ومشتقاته على الإطلاق…!
وإنما تعريفها الدقيق هو : “اللادينية”
والرؤية التي لا صلة لها بالدين..!

فكيف يكون الدين الإسلامي علماني ؟!!!

لننظر إلى المعاجم ودوائر المعارف الغربية :

تقول دائرة المعارف البريطانية :
( مادة “Secularism” هي : حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها) !

ويقول قاموس”العالم الجديد” لبوستر :
( هي نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض أي شكل من أشكال الإيمان والعبادة، وأن الدين والكنيسة لا دخل لها في شؤون الدولة وخاصة في التربية العامة)

ويقول “المعجم الدولي الثالث الجديد” :
( مادة “Secularism” إتجاه في الحياة يقوم على أن مبدأ الدين أو الاعتبارات الدينية يجب أن لا تتدخل في الحكومة ، أو استبعاد هذه الإعتِبارات استبعاداً مقصودا ،
فهي تعني السياسة اللادينية البحتة في الحكومة) !

هذا هو مفهوم العلمانية كما رأينا..
وهناك من ينطقها بكسر العين نسبة إلى العلم
ومن ينطقها بالفتح نسبة إلى العالم!
بمعنى أن العالم مُستقلٌ بذاته لا يحتاج أيّ تدخلٍ سماوي ولا اي تشريع رباني يحكُمُه !

والمعنى المتفق عليه سِياسياً : هو عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع ، وإبقاءهُ حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه ، فإن سُمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التّعبدية ومراسم الزواج والوفاة ونحوها…!

فهل بهذا تتوافقُ مع الإسلام الذي يدعو الجميعَ إلى التحاكم إليه في أمور الحياة كلها ؟

طبيعة الإسلام أن يكون قائدا ومُوجها لحركة الحياة سياسية كانت أو اجتماعية أو قتصادية أو غيرها..

لأنّ الإسلام يوجب على أتباعه أن يجعلوا حياتهم كلها في ضوء تعاليمه وتشريعاته
( قل إنّ صلاتي ونُسكي ومحيايَ ومماتي لله رب العالمين)

والعلمانية تريد من الإسلام أن يكون تابعاً لها ، يأتمر بأمرها وينتهي بِنهيِها لا أن يأخذ موقعه كمرجعٍ للتشريع ولا مِعياراً لوضع الموازين والأحكام…!

والإسلام بطبيعته يرفض أن يكون مجرد ركن في الحياة !

ومن هنا تصطدم العلمانية مع الإسلام كرسالة !
كما تصطدم معه في العقيدة والعبادات والتشريع !

فهي تصطدم مع العقيدة حيث لا ترضى أن تكون العقيدة الإسلامية أساساً للولاء والبراء والترابط والانتماء !
بل تُريد من العقيدة أن تظل حبيسة الضمير لا تخوض مُعترك الحياة ولا تؤثر في أهدافها ومناهجها !

وتصطدم مع العبادات إذْ لا تجعل للالتزام بفرائض العبادات أو إهمالها أيّ اهتمام في تقديم الناس وتأخيرهم !
ولا ترى المُجاهرة بترك العبادات التي هي أركان الإسلام العملية شيئا يوجب المحاسبة أو العقوبة التي أجمع علماء فقهاء المسلمين فيمن يُصر على ترك الصلاة أو منع الزكاة أو الإفطار في رمضان وغير ذلك…

وتصطدم مع الأخلاق الإسلامية إذْ لا ترى بأساً ولا حرجا في فعل الفواحش والمنكرات
فالعلمانية تعتبر الزنى والشذوذ ظواهر طبيعية ولا يلزم منها العقوبة إذا كانت بالتراضي !
بل وتعتبر النهي عن هذه المنكرات رجعية وتخلفا وكبتاً وحِرماناً ..!

وتصطدم مع التشريع حيث تُعطل الحدود وتُبيح الحرام وتُحل الحلال !
فلا معنى للحلام والحرام الديني في ظلّ العلمانية !
لذلك ترفض العلمانية تحريم الربا في القانون المدني ، و تحريم الزنى والخمور في القانون الجنائي ، وتحديد الجزاء على الجرائم بعقوبات بدنية مثل الجلد والقطع ونحو ذلك…!

فكيف بعد هذا كله نقول بتوافقها مع الإسلام ، أحرى أن نقول الإسلام ديني علماني !؟

هدانا الله وإياكم وأنار لنا ولكم طريق الخير والرشاد
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى