أقلام

الاختيار المفيد ضرورة من أجل تجديـدٍ مضمون العواقب

 

 

الاختيار المفيد ضرورة من أجل تجديـدٍ مضمون العواقب

يقول هامباتي با: “لكلٍّ نصيبه من الحقيقة. لكن الحقيقة الوحيدة هي تلك الموجودة في الوسط”. هذه يعرفها الجميع، ويمكن أيضا أن يرفضها الجميع.
قريبا، وأخيرا، سنصل نهاية النفق. لقد لاحت بارقة أمل عندما رأينا تلك النهاية. كنا قد هيّئنا لذلك كل طاقتنا، وتحدينا كل المطبات، ونجونا بمهارة من كل الفخاخ. على الدرب تركنا، أحيانا، دماءنا وأغلى الناس على قلوبنا. قناعاتنا، التي ما تزال حية، فقدت، أحيانا وعلى مر مسارنا المفروش بالعقبات، كل عنفوانها. آمالنا المرصعة بالوعود التي لم تتحقق أبدا، بطيب خاطر أو رغما عنا، تضاءلت. لقد ركضنا، ومشينا الهُوّينا، وزحفنا بغية الخروج من هذا النفق. ووصلنا أقصى طرف في هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، منهكين.
كل المخططات وكل الاستراتيجيات التي وضعنا، كل الأفكار التي بنينا، كل المنظمات التي أسسنا، تعرضت للانعكاسات الضارة لسياسات التفرقة التي حاربناها خلال مرورنا نحو درب الحرية.
لقد هزُلت المعارضة الموريتانية، وبقيت على حالها الجنيني. ورغم نواقصها ووهنها، فإنها تكافح باستمرار من أجل شعب لم يزل يسير خلفها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. لكن قاربها انقلب بالتأكيد. بدأت تـُـظهر علامات الضنى والاعتزال قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية. غياب الواقعية النفعية للمعارضة، وغياب نجاعة المقترحات، والرؤية الملامسة للواقع، وعدم الحضور النشط في جهود الكفاح، وغيابها التام الملاحظ إلى حد بعيد على ساحة ذلك الكفاح، أمور أفقدتها كل مصداقية، إذا كانت ثمة مصداقية أصلا. إنها لم تعد تملك وسائل لتجعل الشعب يلتف حولها.
والآن ما العمل؟
إننا متأكدون من مسألة واحدة على الأقل: فالمعارضة ليس بمقدورها صنع المعجزة.  كما لا يمكنها تغيير المعطى. فخلال ثلاثة أشهر يستحيل عليها ردم هوة تأخرها 27 سنة، انطلاقا من عام 1992. هكذا إذن تراجع نصيب الثقة فيها على مدى 27 سنة. وهكذا عبر الموريتانيون عن هذا الشعور خلال الانتخابات الجهوية والتشريعية والبلدية السابقة، ولعل نتائج الانتخابات تفصح عن الحقيقة أكثر.
هل ما يزال هناك بصيص أمل؟
أن نتنازل عن مال عام، عندما لم تعد لدينا الوسائل الكفيلة بتسييره، لا يعني أن ننسحب من تحمل كل المسؤوليات بشأنه. وإنما سمحنا فقط لهذا المال أن ينمو على أسس جديدة. عندما يعجز القبطان عن قيادة سفينته، فضلا عن انكساره، يتوجب علينا أن نتجرأ على التنازل عن المسؤوليات لمن لديه القدرة على تشغيل المحركات ونجاة الركاب بإيصالهم إلى بر الأمان. هذا يعني أن موريتانيا ليست بخير. نهج المعارضة، في هذا الزمن المتأزم، يُنيم الشعب ويضعفه ويجعله مطواعا أكثر فأكثر. إنه نهج ينحو إلى تسليم الشعب لمفترس آخر. دعونا، لطفا منكم، نكون واضحين. لقد عانينا الكثير بمحض إرادتنا، وبسبب رؤيتنا، وسلوكنا ذي الطابع الميال للنزعات العرقية والإقطاعية والطائفية. إنها العيوب التي تنهش لحمنا لدرجة جعلتنا عميانا.
صحيح أن الموريتاني والمخاطرة، إن كانت هناك مخاطرة، لا يجتمعان. لكنني أعتقد أنه لم يعد من حقنا أن نرتكب خطأ. ولأنه من حقنا أن نختار المعسكر الخاطئ، يمكننا أيضا أن نسلك هذا الاتجاه لنفس الأسباب التي دفعتنا من قبلُ والتي أعادتنا باستمرار إلى نقطة الانطلاق.
اليوم، دعونا نسترشد بالزمن لبناء قناعتكم المستقبلية. لكن على الفور، وبالنظر إلى إلحاح اللحظة، فلنفكر إيجابيا.
اختيار بيرام الداه اعبيد بات يشكل ضرورة. لقد راكمنا إخفاقات ولم يكن الالتزام النضالي لبيرام إلا وليدا لهذه الإخفاقات. إنه نموذج الرجل الذي يمثل كل مواصفات الشخص الطبيعي أولا، والمخلوق، ثانيا، من أجل الكفاح، بشكل محسوب ودقيق، ضد نظام حكامة بهذا الحجم. لقد برهن، بروح مناورة عالية، وبجراءة، وبحيوية، وبإدارة لتطويع الواقع، وبجسارة، على اتخاذ مواقف صارمة وثابتة، وخاطر بنفسه وبأسرته وبأصدقائه وبوسطه، وبث الرعب في قلوب الحاكمين، وولّد انفجار النزعات التقليدية، وتغيير عقليات ومسلكيات المجتمع، وعرّف بكفاحنا، وبمعاناتنا، وآلامنا، وتخوفاتنا، ومطالبنا لدى الهيئات الدولية. وعلى المستوى الوطني، ظل بيرام الداه اعبيد يعيش، في حياته اليومية، مشاكلنا من خلال أعماله المصاحِبة. إنه يعمد إلى كسر الحواجز.
ماذا نريد أكثر من ذلك؟ هل لابد أن نكون بشرا فوق العادة لكي نستحق مناصرة موريتاني ذي صفات عديدة أثبتها العمل ميدانيا.
باقي الزعماء حاولوا القيام بأكثر، لكنهم فشلوا، وعلينا أن نقبل بذلك. غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بالنسبة لهم. فبيرام يحتاج إليهم كما يحتاجون إليه. يكفي أن يمدوا له اليد مع شيء من ضبط النفس. لا شيء أسهل من ذلك.
بيرام لم يبلغ حد الكمال. إنه ليس ربا. فهو فانٍ. لكننا نحن، الموريتانيين الفانين مثله، يتوجب علينا التعبير له عن عرفاننا، ومناصرتنا، ونساعده على أن يكون عمله مفيدا، مع الثناء على العمل الذي قام به أولئك الذين حاولوا معه أن يحققوا أفضل المشاريع المجتمعية التي يمكننا أن نحلم بها معًا. إننا نبقى أحرارا في قناعاتنا. فبيرام لا يغير من الأمر شيئا. وإنما هو تكملة لما ينقصنا.
والآن لدى الشعب وحده حقه في أن يتخذ القرار بشأن مستقبله  حين يحوز المسألة الجوهرية: حريته في أن يفكر، في أن يصدر حكما، في أن يفرق بين الصالح والطالح، وأخيرا في أن يختار. يجب أن لا يبقى كفاح من ماتوا دفاعا عن القضية غير مُجدٍ.
إنه بيرام ضد غزواني؟.. وإذا استمعنا إلى قلوبنا، فإننا سنحسن الاختيار.
بقلم جابي انجاي الملقب توماس ماك
ناشط موريتاني في مجال حقوق الانسان.
مقيم في باريس، فرنسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى