الأخبار

حركة إيرا تشخص الوضعين الدولي والمحلي (بيان)

 

 

 

مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا-موريتانيا)
المؤتمر الثالث العادي باسم “الأم هولي صال”

القرار النهائي
بإسم الأم هولي صال والدة الضابط الشاب الملازم الأول عبدالله موسى صال إبنها الوحيد الذي تم إعدامه خلال نوفمبر 1990 في ثكنة إينال ومازالت الثكلى التسعينية تكافحُ من أجل الحقيقة والعدالة بحق إبنها و ميئات العسكريين و المدنيين الموريتانيين السود الذين راحوا ضحية محاولة الإبادة.

أ‌- الديباجة
في مستهل السنة 2018، يتسم السياق الدولي بتضافر ثلاثة تهديدات جديدة للسلام باتت تأثيراتها على موريتانيا متفاوتة:
1- بعد انتخاب دونالد اترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وبعد متاهاته الدبلوماسيته في فلسطين، وجدله مع الدكتاتورية النووية في كوريا الشمالية، دخل العالم مرحلة من الريبة الحاملة لرهانات خطيرة على استقرار التوافقات المتمخضة عن الحربين العالميتين وفك الارتباطات مع المستعمر خلال القرن العشرين. وهكذا ينهار الردع النووي لصالح انتشار أسرع. ومن ابتزاز القوي للضعيف، يعطينا عِلم الحروب العصري لمحة عن مصداقية التدمير المتبادل.
2- تحدي التغيرات المناخية التي تغامر الولايات المتحدة بنكرانها ينضاف إلى تفكيك التوازنات الأساسية للنظام العالمي. ويزيد انفجارُ معدل الولادات بإفريقيا وتيرة الانعكاسات المباشرة للتصحر التي أصبحت القارة بأسرها عرضة لها. وإن الهجرة نحو أوربا ناتجة، في آن واحد، عن جاذبية العالم الحر وأيضا فشل الحكامة في جنوب البحر الأبيض المتوسط.
3- الإرهاب الاسلاموي في طريقه إلى إكمال إغراق مستقبل البشرية في منطق انحداري لا تقدر أضراره حق قدرها. إن نازية التعصب والعنف الجديدة ليست إلا في باكورتها، فالعالم الاسلامي، الحكومات و القيمين علي تفسير النصوص الدينية، يزعموا صد الخطر المحدق بسلسلة من المقاربات الخادعة حيث يسود الإنكار. وأغلبية دول المجموعة الاسلامية تتخبط في تناقض القضاء على بؤر الإرهاب مع تطبيق قوانينه وبرامجه. ومن بين حالات أخرى، فإن اضطهاد دعاة التجديد و انسنة العلاقات و الشرائع داخل المجتمعات و السلط الإسلامية، بالإضافة إلى مأساة الروابط المنافحة عن حقوق النساء بإفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، يؤكد عدم المواءمة البشع بين جل تفسيرات الدين الإسلامي السائدة من جهة والحداثة من جهة أخرى
ب- موريتانيا اليوم
1- داخل هذا الشكل العشوائي، تتلقى موريتانيا ووسطها الإقليمي انعكاسات النظريتين الأخيرتين دون أن يكون لها عليهما رد: لا تنبؤ ولا علاج تجريبي. بلادنا تـُبحر على غير هُدَى بسبب غياب الرؤية في قمة الدولة وغياب التناوب بين شريحتها المثقفة. وهكذا فإن الجبرية والمرونة الأخلاقية والكسل النفعي تُبقي النخبة القديمة في موقف المحافظة على المكتسبات دونما خطى، مجردة من الحلم والتصور الخصب المغذي للغريزة السحيقة للبقاء داخل طبيعة خربة.
2- في سياق أزمة القيم والعطب بشأن القدرة على إعداد مستقبل مضمون، تتجذر حتمية البديل التاريخي. إن إيرا-موريتانيا ومنظمات الدفاع عن الكرامة الإنسانية والأقلية الواعية داخل القطب الإثني المسيطر تجسد هذا التناوب وتتعهد بالوصول إلى السدة. إن تطورا من هذا القبيل يعادل مسَلّمة من الفيزياء الأساسية بنفس طبيعة قوانين الجاذبية.
ج-لماذا إعادة التأسيس
المؤتمر الثالث لإيرا-موريتانيا، وبعد دراسة الحالة العامة للبلد، وافق على أهم رهانات الكفاح من أجل مواطنة شاملة.
1- الإرث المخجل
يؤكد المؤتمر الطابع المنظم لمواصلة الممارسات الاسترقاقية والتمييز المرتبط بها بما يرسمان من هوية السيطرة الحميمة. إن العنصرية الموريتانية، بوصفها نتاج خلط أصلي بين منطق الأقوى وتديّن الأمكر، ظلت تخلق العنف الرمزي والحرمان من الحريات واغتصاب الممتلكات والإهانة والتعذيب. إن الإقصاء المادي وعدم المساواة بالمولد يشكلان البعد المعتاد أو الوظيفة العقلانية. وحتى الآن تعود ملكية الأراضي الصالحة للزراعة وتلك المقفرة للمنحدرين من الأسياد بالرغم من الإصلاح العقاري لسنة 1981. لا شك أن رزمة القوانين الداخلية تتحسن في منصوصها غير أن الخدعة تستمر بفضل الإرادة الساعية إلى عدم تطبيق القانون. كما أن الانضمام للمواثيق الدولية ينبع من حسابات تحجب الحقيقة. والأدهى من ذلك أنه عندما تتزايد ضغوطات الضحايا، يلجأ النظام والزمر التي يكتتب منها إلى دِرع الدين بغية تأخير أو إعاقة مطلب الرفاهية الذي يعطي للوجود معنى. إن موقف المحاججة الدائمة بالمقدس يعود، حاليا، إلى مجرد ردة فعل مما يجعله سيَبلى على عجل بفعل الإفراط في استخدامه.

2- من الجنسية إلى الخصم (الاقتطاع)
يستمر صمت الدولة إزاء تسيب مرتكبي جرائم القتل والتسفير والإختفاء الممارسة بدواعي العرق والثقافة غير العربية. التسوية القائمة في البلاد تنحو إلى أن تتعزز على وقع هذا التسيب، ومن ثم فغالبية القوى السياسية والدينية تقبل بها من الآن فصاعدا. وبعيدا عن الاعتبارات العرقية، فإن تاريخ العنصر البشري يعلمنا أنْ لا شيء يتسم بالاستقرار ما دام قائما على الإضرار بالأبرياء.
ثلاثي وخز الذاكرة والتذكير وإصلاح العطب هو ما تعمل إيرا-موريتانيا على ديمومته سعيا إلى الوحدة الوطنية. لن يكون هناك وئام ولا حتى أخوة حين يظلم الواحدُ الآخرَ ويريد له أن ينسى. المواطنون الزنوج، المستلبون الذين يهيأ استيعابهم للضيم وقد اغتصبت أرضهم، ستمضي عليهم أزمنة طويلة قبل الخروج من وضع المواطن من الدرجة الثالثة. وإن بلادهم لم تعرف، جراء محنتهم،كيف تظهر لهم التضامن المطلوب على إثر قسوة العدوان عليهم.

3- انتهاكات حرمة الجسد
اللجوء إلى التعذيب وتتفيه المعاملات المسيئة خلال التوقيف النظري والسجن، وصلت درجة جعلت موريتانيا تحتل رأس لائحة التقارير والتحقيقات ذات الصلة لخبراء الأمم المتحدة. الحالة الأخيرة للمسمى عثمان ولد ابراهيم تؤكد ذلك: إن مواطنا أسود في نزاع مع القانون يتعرض أكثر للإيذاء والسحل مرفوقا بالشتم ذي الطابع العنصري.
إن رفض التصديق على المعاهدات المتساهلة، وتفاقم المواد القاضية بتطبيق حكم الإعدام والنفور من المحكمة الجنائية الدولية، أمور تدخل ضمن الغلو العرقي الحامل لكراهية الزنوج والمعادي للغرب والمشرب بالميل الي التطرف العنيف. إن موريتانيا اليوم تنجرف نحو شذوذ النقاء الجوهري الذي تذيب فيه عاداتها وروحها وطمأنة سكانها.

4- الحرية البدائية
على نطاق أكثر سياسية، حتى ولو أن قدرة تعبير حقيقية برزت بعد عقود من الحكم العسكري، فإن بعض مراحل الأزمة تعزز الاعتقالات التعسفية والتوقيفات بدون محاكمة لمدد طويلة وفي ظروف سرية. وفي جل الوضعيات الملاحظة هنا، فإن زعزعة النظام العام تبدو طفيفة وبالتالي غير متناغمة مع العقوبة. فكثيرا ما تهدف العقوبة إلى حصر الطموح للحق في التظاهر والدوس عليه. وتمنح السجون في موريتانيا المعتقلين، بمن فيهم سجناء الحق العام، الحد الأدنى من شروط السلامة والصحة. فالانسان في هذه السجون ينحط وتتلاشى إنسانيته طيلة بقية حياته.
وكمثال حي فإن حبس مناضليْنا موسى بلال بيرام وعبد الله معطلل السالك، والشيخ محمد ولد غده والعريف محمد ولد محمد امبارك يسمح لنا بالقلق الحقيقي إزاء تصميم النظام على تحطيمهم. ولا تستثني المتابعات، تحت نظام الحرية المؤقتة، لا البرلمانيين ولا الصحفيين، وإن مذكرات توقيف صادرة بحق معارضين في الخارج من أمثال محمد بوعماتو والمصطفى الإمام الشافعي تساهم في الإضرار بالإجماع الوطني وآفاق تناوب هادئ سنة 2019 حيث تنتهي ثاني وآخر مأمورية لرئيس الدولة الحالي.

5- اختطاف الهيئات
تنامي المساس بحرية الصحافة والروابط والضمائر ينخر المصداقية النسبية لنمط التعددية في موريتانيا، وبحكم الواقع فإن الدرك والشرطة والقضاة يحوزون هامش تحرك يتسع باطراد. ففي كل وقت يمكنهم الاستجواب والاستدعاء والاعتقال على أساس قرينة تكاد لا تكون مؤصلة. ينضاف إلى حزمة الإفراط في استخدام السلطة أسلحة أخرى دون طعن ولا موازنة، فباتجاه رأس المال الخاص يستغل النظام الحالي التقويم الضريبي ويمارس، دونما أية استقلالية لدى الموظفين، التهديد بالطرد أو مراقبة التسيير. ولمد هذه الصلاحية بمسحة من القبول، عمد منهج الاستقطاب العرقي القبلي إلى الاكتتاب الضخم للبلداء وإلغاء الجدارة. ومن تداعيات إفلاس التعليم بعد انتصار الشعبوية تحت نظام الطغَم، فإن ثقافة التزوير لم تنج منها الشهادات والسير الذاتية وحتى شجرات النسب. فصناعة الأسلاف الزائفة تصيب الحقل الخاص، وحتى أن التزوير يتخلل مختلف درجات الوظيفة العمومية ويتسع ليشمل الطب. وبهذه الطريقة ترسم الغطرسة والتفاخرُ الوجهَ المعماري لنمط حياة ممزق من التنافس على الامتياز في كل شيء إلى ممارسة الغش الدائم. الموريتاني المعاصر يتفوق في فن الكذب على نفسه. وإن انفصام الشخصية الذي أضحى بوصلته على درب من التيه لا يرى خلاله أي أفق، جعله يتكيف مع كل شيء، فيحبط العقلانية ويورث ذريته استساغة الطريق المختصر وهواية المدى القصير.

6-المراوغة
الرشوة تنخر جسم الدولة مقلصة كفاءة السياسات العمومية، لكن يتعلق الأمر، في نهاية المطاف، بمجموعة من المعايير اللاأخلاقية والاحتياطات التي تتطلبها إعادة إنتاج الهيمنة الحالية. بعيدة من أن تعني استثناء قابلا للإصلاح في موريتانيا، فإن سرقة المال العام ومكافأة الإهمال وضمان دخل بدون مجهود، تدخل في إطار العادات اللازمة للتوزيع التفضيلي للموارد. لا يمكن للجهاز أن يستمر، ناهيك عن مواصلة الحفاظ على ميليشيات لحراسة الوضع الراهن تحت كنف جمهورية القانون. فالسلام في جو من الظلم يُدفع ثمنه من الامتيازات والمصالح والصلاحيات. لقد شحذ اكتشاف حقول المحروقات داخل المحيط همم البقاء سرمدا في السلطة وبات يُعَقد الروابط مع الجيران المباشرين. إن دبلوماسية موريتانيا تتلخص حاليا في متلازمة هستيرية من الحساسيات والتشنجات يزيد وتيرتها الميل الطفولي إلى تغيير التحالفات.

7-الحالة الملحة
من التوقعات السابقة، فإن المؤتمر يلاحظ أهمية وفائدة قطيعة جذرية مع زمرة عاجزة عن أن تضمن، لأعضائها، الشعور بالمشاركة في عمل مشترك. ليس من المعقول أن تزدهر موريتانيا لفترة أطول في درجة مماثلة من الاحتقار إزاء رعيتها أو حتى إزاء الأجنبي المار بها. المجاعة، الظلامية، الغلو والانطواء العنيد عن بقية العالم شكلت العقلية الأدهى التي جعلت حكم الأقلية المبيد للحرية المنظور الاستشرافي الأوحد.
إزاء وضد الانحراف، ومن أجل تعددية في التقاسم، ومن اجل الأنصاف، وسعيا إلى السعادة الدنيوية والتنوع ضمن أعراق مختلطة، فإن المؤتمر بقر:
– بالنظر إلى المصادرة المفروضة على تيارات الجراءة والتجديد، فإن إيرا تمنح لمناضليها ومناصريها الحق الثمين في تقديم مرشحين مستقلين من أجل تجسيد موريتانيا أخرى خلال الاقتراعات المقبلة المفضية إلى استحقاقات محلية و نيابية و جهوية و كذا انتخاب رئيس للجمهورية.
– يحصل بيرام الداه اعبيد على تفويض غير مقيّد بغية تعزيز مشاورات واسعة النطاق مع الأحزاب والمجتمع المدني وقيادة الجيش والأمن في سبيل تسريع تصالح الموريتانيين قبل التصويت، والتوصل إلى تفاهم متين حول قواعد النزاهة في إطار الاحترام التام للدستور.

تم التصويت عليه بانواكشوط يوم 28 يناير 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى